الشيخ حكمت الهجري.. من الزعامة الروحية إلى دور سياسي محوري في سوريا

السويداء – (وكالة المصدر الإخبارية)
يُعَدُّ الشيخ حكمت الهجري أحد المرجعيات الدينية والاجتماعية لطائفة الموحدين الدروز في السويداء، وقد تحوّل عبر السنوات إلى فاعلٍ أساسيٍّ في المشهد السياسي السوري، لا سيما بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024. وبينما كان موقفه في البداية مهادنًا للنظام، فإن التطورات اللاحقة دفعته إلى اتخاذ مواقف أكثر استقلالية، مما جعله شخصيةً بارزةً في مستقبل الجنوب السوري.

المولد والنشأة
وُلِد الشيخ حكمت الهجري في التاسع من يونيو/حزيران عام 1965 في فنزويلا، حيث كان والده يعمل هناك، قبل أن يعود إلى سوريا لمتابعة تعليمه. نشأ في بيئة دينية محافظة، ودرس الفقه والمعتقدات الدرزية، مما عزَّز مكانته داخل الطائفة. وفي عام 1985، التحق بجامعة دمشق لدراسة الحقوق، لكنه لم يمارس المهنة، حيث بدأ مسيرته الدينية إلى جانب أخيه الأكبر، الشيخ أحمد الهجري.
الصعود إلى المشيخة والانقسام الروحي
في عام 2012، تولى حكمت الهجري منصب الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية خلفًا لشقيقه أحمد، الذي توفي في حادث سير غامض. غير أن خلافات داخلية أدت إلى انقسام الزعامة الروحية للطائفة بينه وبين الشيخين حمود الحناوي ويوسف جربوع.
رغم توليه المنصب، كان موقف الهجري في البداية مائلًا إلى دعم نظام الأسد، مما أثار استياء قطاعات واسعة من أبناء الطائفة، خاصة مع تزايد الضغوط الشعبية للانخراط في الثورة السورية. في المقابل، برزت شخصيات معارضة داخل السويداء، مثل الشيخ وحيد البلعوس، قائد حركة رجال الكرامة، الذي دعا إلى استقلال القرار الدرزي ورفض تدخل النظام في شؤون المحافظة.
الصدام مع النظام ونقطة التحول
رغم موقفه الداعم للأسد، تعرض الهجري للإهانة في 25 يناير/كانون الثاني 2021، خلال مكالمة هاتفية مع اللواء لؤي العلي، رئيس فرع المخابرات العسكرية في الجنوب. أثارت الواقعة احتجاجات واسعة في السويداء، وشهدت المحافظة تمزيق صور الأسد وإحراق مقرات أمنية.
وفي ظل الضغط الشعبي، أصدر الهجري بيانًا في فبراير/شباط 2021، أعلن فيه طيّ صفحة الخلاف مع النظام، لكنه بدأ لاحقًا في الابتعاد عن الأسد تدريجيًا. وفي يونيو/حزيران 2022، طالب بإقالة رؤساء الفروع الأمنية في السويداء، متهمًا إياهم بزرع الفوضى والانقسامات. ومع تصاعد الأزمة الاقتصادية، شهدت السويداء احتجاجات متكررة، أبرزها في أغسطس/آب 2023، حيث خرجت مظاهرات منددة برفع الدعم عن الوقود، مما زاد الضغط على النظام السوري.
سقوط الأسد وإعادة رسم المشهد السياسي
مع سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، وجدت السويداء نفسها أمام مرحلة جديدة. وأعلن الهجري دعمه لعقد مؤتمر وطني شامل لصياغة دستور جديد، وإقرار نظام حكم لامركزي. لكنه سرعان ما دخل في خلاف مع الحكومة المؤقتة التي شكلتها فصائل المعارضة، حيث رفض في يناير/كانون الثاني 2025 دخول رتل عسكري تابع للحكومة الجديدة إلى السويداء دون تنسيق مسبق، معتبرًا ذلك انتهاكًا لسيادة المحافظة.
وفي مارس/آذار 2025، توصل الهجري إلى اتفاق مع وزارة الداخلية في الحكومة الجديدة لتفعيل الأمن العام في السويداء، وهو ما اعتبره البعض خطوة نحو القبول بالحكومة الجديدة، بينما رأى آخرون أنه مجرد إجراء إداري لضمان استقرار المحافظة.
التوتر مع الحكومة الجديدة
رغم محاولات التهدئة، تصاعدت التوترات بين الهجري والحكومة المؤقتة في دمشق. ففي منتصف مارس/آذار 2025، شهدت السويداء احتجاجات تطالب بإسقاط الرئيس أحمد الشرع، ورفع المتظاهرون صور الشيخ الهجري، في إشارة إلى دعمه.
لكن الهجري أعلن موقفًا حاسمًا، حيث رفض التوافق مع الحكومة الجديدة، واصفًا إياها بـ”المتطرفة”، مشددًا على أن مستقبل السويداء يجب أن يُبنى على إرادة أهلها، بعيدًا عن أي فرض عسكري أو سياسي.
وفي ظل هذا الموقف، أعلن المجلس العسكري في السويداء دعمه الكامل للهجري، مؤكدًا رفضه التعاون مع الحكومة الجديدة، ورافضًا الدستور الذي أقرته، معتبرًا أنه لا يضمن حقوق جميع الطوائف.
وثيقة تفاهم أم اتفاق هش؟
وسط هذه التوترات، جرى تداول وثيقة تفاهم بين السويداء والحكومة السورية، لكن الهجري نفى أن تكون اتفاقًا رسميًا، مؤكدًا أنها مجرد مطالب قدمها الأهالي. فيما أكد مقربون منه أن مستقبل العلاقة بين السويداء ودمشق لا يزال مفتوحًا على كل الاحتمالات.
دور محوري في مستقبل السويداء
مع كل هذه التطورات، بات الشيخ حكمت الهجري شخصية محورية في مستقبل السويداء. وبينما يحاول الموازنة بين المطالب الشعبية والتحديات السياسية، لا يزال موقفه غير محسوم تجاه الحكومة الجديدة، مما يجعل المحافظة ساحةً لصراع القوى السياسية والعسكرية في المرحلة المقبلة.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل سيتمكن الهجري من الحفاظ على استقلالية السويداء وسط المتغيرات السياسية؟ أم أن المحافظة ستشهد فصولًا جديدة من المواجهة؟